إني أحذر: الأطباء غاضبون!
حادث الاعتداء الإجرامى على معهد القلب الذى حدث مؤخرا لم يكن الأول من نوعه ولن يكون الأخير بكل أسف، ولكنى أتصوره إنذارا شديد اللهجة لكل مسؤول فى هذا البلد تغافل أو تعامى عن مشكلات الأطباء فى مصر، ولذلك أوجه كلامى مباشرة إلى رئيس الدولة موضحا له أبعاد مشكلة الأطباء:
صلاح الغزالي
أولًا- الاحتياجات الإنسانية
فاقد الشىء لا يعطيه، والطبيب المصرى المتخرج حديثا بعد سنوات طويلة من السهر والتعب والعرق يبدأ حياته العملية بمرتب لا يتجاوز ألفى جنيه شهريا، كما يتقاضى الطبيب المقيم عن كل نوبة عمل شاق ومستمر 24 ساعة 75 جنيها وبدل عدوى 19 جنيها! مما يضعه من أقل رواتب الأطباء فى العالم ناهيك من المعاش المتدنى الذى لا يسد رمقا عند التقاعد، وإذا علمنا أن حوالى 85% من الأطباء ليست لديهم عيادات خاصة يمكن أن نتصور حجم المأساة الإنسانية الحقيقية لملائكة الرحمة.
ثانيًا- تكليف الأطباء
أرفض تماما أى محاولة لإلغاء تكليف الأطباء على الأقل فى الفترة الحالية؛ نظرا لوجود نقص خطير فى أعداد الأطباء العاملين داخل الوطن؛ حيث تدل الإحصائيات على أن ثلث الأطباء فقط يعملون داخل البلاد، والباقى ذهب بحثا عن بيئة مناسبة توفر له ولأسرته حياة لائقة. وفى نفس الوقت أطالب بمراعاة ظروف كل خريج قبل تحديد مكان التكليف من أجل توفير أكبر قدر من الراحة النفسية والاستقرار للخريج الحديث مع إعطاء مقابل مجزٍ للعاملين فى الأماكن البعيدة والنائية
ثالثًا- الدراسات العليا
وعدت وزارة الصحة مؤخرا بدفع تكلفة الدراسات العليا للأطباء وهو أمر حميد تأخر كثيرا، وأطالب بتحفيز الأطباء الشبان بالاتجاه إلى تخصصات تعانى من نقص شديد، مثل الطوارئ وطب الحالات الحرجة، بالإضافة إلى طب الأسرة؛ باعتباره اللبنة الأولى والأهم للخدمة الصحية فى مصر، كما أرجو زملائى فى قطاع التعليم الطبى بالمجلس الأعلى للجامعات بوضع نهاية لسيرك الشهادات الطبية من دبلوم وماجستير ودكتوراه وزمالة وبورد، وأعلم أن هناك تقدما مهما قد حدث فى هذا الاتجاه، وأتمنى أن أرى قريبا نهاية لهذا الكرنفال.
رابعًا- تحسين بيئة العمل
مطلوب البدء بمراجعة شاملة حقيقية، وليست إعلامية لكل أماكن إقامة الأطباء ووسائل المعيشة اللائقة فى كل المستشفيات حتى لا تتكرر مأساة الطبيبة الشابة التى لقيت مصرعها نتيجة ماس كهربى فى حمام أحد المستشفيات مؤخرا، كما أطالب لجنة الصحة بمجلس النواب بإصدار تشريعات حاسمة بخصوص التعديات المتكررة على الأطباء فى أماكن عملهم مع تشديد الحراسة عليها وتنظيم دخول غير المريض الى أماكن الاستقبال وعيادات الطوارىء والحوادث كما يتحتم توفير المستلزمات الطبية والأدوية فى هذه الأماكن لكى تختفى إلى الأبد ظاهرة بحث أهل المريض عن الدواء والغيارات الطبية.
خامسًا- قانون المسؤولية الطبية
تأخرنا كثيرا فى إصدار هذا القانون، ومطلوب سرعة إصداره بعد مناقشته مع نقابة الأطباء من أجل الوصول إلى صيغة عادلة تفرق بين الخطأ الوارد والمحتمل وبين الجهل والإهمال مع ضرورة التأكيد على وجود تأمين للأطباء ضد أخطار المهنة.
وبعد، فإن الطب مهنة إنسانية رفيعة تجمع بين العلم والفن والخبرة، وأطباء مصر تحديدا تاريخهم ناصع يضىء السماوات العربية والإفريقية والعالمية، كما أنهم من أوائل مَن مارس هذه المهنة منذ فجر التاريخ، فلا أقل من إصدار كادر خاص بهم، مثل زملائهم فى القضاء، فهؤلاء هم الأمناء على الصحة، وأولئك هم الأمناء على العدل.
تعليقات
إرسال تعليق