من أجل تعليم طبي أفضل

من خلال خبرة طويلة، بصفتى أستاذًا فى كلية الطب ووكيل الكلية لشؤون التعليم والطلاب، أستطيع طرْح بعض الأفكار التى قد تسهم فى تطوير التعليم الطبى؛ لمواكبة التقدم الهائل فى هذا المجال فى العالم من حولنا
أولًا- اختيار المتقدمين لكليات الطب:
المعلوم أن الطب مهنة إنسانية خطيرة وحيوية، ولا يمكن أن يعتمد الالتحاق بها فقط على مجموع الطالب فى امتحان الثانوية، بل يجب- كما يحدث فى بلدان كثيرة- وضع شروط ومعايير دقيقة لهذا الاختيار فى شكل اختبار قبول لكل الكليات الطبية (الطب البشرى والبيطرى وطب الأسنان والعلاج الطبيعى والتمريض العالى)، تحت إشراف مجموعة متخصصة فى الطب وعلم النفس والاجتماع، ويتم تصحيحه إلكترونيًا لضمان الحيدة، على أن تضاف درجة هذا الاختبار إلى مجموع الثانوية بنسب محددة وعلى أساسه يكون الترشيح لإحدى هذه الكليات، ويمكن للمتقدم أن يعيد الاختبار إذا لم يتفق الاختيار مع ميوله.
ويحضرنى فى هذا المقام ما لاحظته أيام عملى وكيلا للكلية من وجود نسبة ليست قليلة من الراسبين فى العام الدراسى الأول، وهم جميعا تقريبا حاصلون على الدرجة النهائية فى الثانوية، ما حدا بى إلى استدعاء أولياء أمورهم الذين اتفقوا تقريبًا على تقرير أن اختيار كلية الطب جاء فقط بسبب المجموع الكبير! ما يدل على فداحة الخطأ الذى يرتكبه بعض الآباء نحو أبنائهم.
ثانيًا- تحديد دقيق لمواصفات خريج الطب:
من المهم أن نتفق على مواصفات خريج الطب الذى ننشده، من حيث كم ونوع المعلومات التى يتسلح بها طبقا للمسؤوليات التى ستلقى عليه باعتباره ممارسًا عامًا، وليس متخصصًا، ولا عضوًا فى هيئة التدريس، وهذا يشمل المبادئ الطبية الأساسية وفن التعامل مع المريض وأسرته والمجتمع وأساسيات الطب الوقائى والتوعية الصحية وغيرها، بالإضافة إلى قدرته على تحويل الحالات الأكثر تعقيدًا إلى الطبيب المختص.
ثالثًا- التدريس الطبى:
هناك طرق حديثة للتعليم وتوصيل المعلومات تختلف جذريًا عما شاهدناه نحن منذ 50 عاما، وخاصة مع كثرة أعداد الطلاب، مما يحتم استخدام التكنولوجيا الحديثة ووسائل الاتصال المختلفة والوسائل التوضيحية بكل أنواعها لتوصيل أحدث المعلومات بسهولة ويسر؛ وذلك يتطلب بالطبع زيادة كفاءة المدرسين مع الاهتمام بضرورة التواصل المستمر بين الأساتذة والطلاب.
وإلى جانب المواد الطبية لا بد من إعطاء جرعات كافية من المواد الإنسانية، مثل حقوق الإنسان وفن التواصل مع المجتمع مع ممارسة الرياضة والفنون أثناء الدراسة.
رابعًا- تطوير المناهج:
المناهج الحالية فى كليات الطب تحتاج تطويرًا جذريًا، وقد حاولت ذلك أثناء وكالتى للكلية، وواجهت مقاومة شديدة، ولذلك فإن الأمر يحتاج إلى قرارات حاسمة ومدروسة، وعندنا نماذج ناجحة فى البلاد التى سبقتنا، وعلى سبيل المثال لا أتصور أن الممارس العام عند تخرجه سيقوم بعملية إزالة اللوز أو عملية قيصرية أو عملية المياه البيضاء فى العين أوغيرها، فى حين أنه من المهم جدًا أن يعرف كيف يتعامل مع حالات طبية كثيرة سيقابلها فى حياته العملية.
خامسًا- طرق الاختبار والتقييم:
من المظاهر المؤسفة والمؤلمة فى كليات الطب عندنا ظاهرة الدروس الخصوصية! وفى رأيى أن السبب الرئيسَ لها هو طريقة الاختبارات التحريرية التى تعتمد على حفظ أكبر كمية من المعلومات والعملية التى تفتقد إلى وحدة المعايير والشفهية التى تفتح الباب على مصراعيه للظلم والمحاباة، ومن ثم الفساد.. نريد تغييرًا جذريًا يعتمد على تجارب الدول المتقدمة باعتماد طرق جديدة للتقييم العادل، بعيدًا عن أى شبهات، وترتكز ليس فقط على المعلومات ولكن على طريقة التفكير ومعاملة المريض وغيرذلك.
سادسًا- التدريب الإجبارى قبل الممارسة العملية:
هناك تجربة جديدة اقترحتها لجنة القطاع الطبى بالمجلس الأعلى للجامعات، تستغرق عامين، وأتمنى لها النجاح مع تحفظى على إجراء امتحان فى نهايتها؛ فهذا مجهود ضائع لا فائدة منه، ويكفى أن يتعلم جيدًا، ثم يتم اختباره فى السنة الأخيرة للدراسة فى شكل امتحان موحد لكل كليات الطب يتم فيه الاستعانة ببعض الممتحنين من الخارج، أما عن سنتى التدريب‘ فيكفى أن يكون التدريب جيدًا وحقيقيًا، وأن يتم تقييم الطالب بعد انتهاء كل مرحلة تقييمًا جادًا، ويمكن أن يعيد الفترة عند تقصيره.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

فيروس كورونا: هل تستطيع تجنب لمس وجهك لتفادي الإصابة بالفيروس؟

11 مرضاً تسبب تغيّرات في الشخصية