فكرة "العلاج بالوهم" لتحسين أداء

كيف يمكن تطبيق فكرة "العلاج بالوهم" لتحسين أداء الرياضيين؟*******
May 14, 2020

 قمم الجبال في كولومبيا. وعلى ارتفاع 5,500 متر فوق سطح البحر، تنخفض نسبة الأكسجين في الهواء إلى النصف، ويجد المتسلق صعوبة في السير ويشعر بالتعب والصداع، ومن ثم يتسارع نبض القلب وتزيد سرعة التنفس، وتتمدد الأوعية الدموية لإيصال الأكسجين للأنسجة.

ولهذا يستعين المتسلقون في المرتفعات باسطوانات الأكسجين للحد من هذه التغيرات، فتقلل الشعور بالتعب وتخفف آلام الرأس، لأن النبض والتنفس يعودان لمعدلاتهما الطبيعية. لكن العجيب أنه لوحظ أن اسطوانات الأكسجين الفارغة قد تحقق نفس أثر الاسطوانات المملؤة.

إذ أعطى فابريزيو بينيديتي، عالم إيطالي بجامعة تورينو، مجموعة من المتسلقين اسطوانات أكسجين وهمية على جبال في كولومبيا وألاسكا وجبال الألب، ولاحظ أن اسطوانات الأكسجين الفارغة التي يتوهم الناس أنها مملؤة بالأكسجين قد تحاكي تأثير الاسطوانات المملؤة على الجسم.

لكن هذا التأثير الإيجابي للاسطوانات الفارغة لا يتحقق إلا إذا حصل المتسلقون على اسطوانات مملؤة بالأكسجين في البداية، ثم تبديلها بأخرى زائفة دون أن يعوا، لأن الجسم حينها يتهيأ لتلقي جرعة من الأكسجين.

واللافت أن الاسطوانة الوهمية تعزز الأداء البدني في تمارين المشي على المرتفعات رغم أنها خالية من الأكسجين

ويقول بيندتي إن ما يثير الاستغراب أنه لم يكن هناك أكسجين لا في الدم ولا في الجسم، ومع ذلك شعر المتسلقون بتحسن رغم أن الاسطوانات التي يحملونها كانت فارغة.

أقسى وأسرع وأقوى


يعرف تأثير العلاج الوهمي بأنه التحسن الملحوظ الذي يشعر به المريض لمجرد الاعتقاد بأن الدواء سينجح في علاجه، وليس بسبب تأثير الدواء في حد ذاته، رغم أن هذا الدواء لا يتعدى في الغالب كونه حبات من السكر. وأثبتت دراسات أن العلاجات الوهمية تخفف السعال والآلام والاكتئاب، وحتى أعراض داء باركنسون.

واهتم مؤخرا بعض العلماء بدراسة تأثير العلاج الوهمي على الرياضيين. إذ طالما سمعنا الرياضيين المحترفين يقولون إن نظرتهم للفوز تلعب دورا كبيرا في نجاحهم، وتشير الأبحاث إلى أن تعديل التوقعات له تأثير كبير على سرعتهم أو تقدمهم في المنافسات.

وفي إحدى الدراسات أخبر الباحثون دراجين بأنهم سيتلقون جرعات مختلفة من الكافيين قبل السباق، لكن في الحقيقة أعطاهم الباحثون جميعا شرابا وهميا، وكان أداء المجموعة التي توهمت أنها تناولت جرعة صغيرة أفضل بنسبة 1.5 في المئة من المتوسط، في حين أن المجموعة التي توهمت أنها تناولت جرعة كبيرة من الكافيين زادت قوتها بنسبة ثلاثة في المئة.

ويقول كريس بيدي، من كلية علم النفس بجامعة كنت، إن نسبة الثلاثة في المئة قد تبدو ضئيلة، لكنها قد تعزز حظوظ اللاعب في المنافسات في التتويج بميدالية أوليمبية. إذ يبذل اللاعبون أقصى جهدهم لزيادة قوتهم بنسبة ثلاثة في المئة.
ويحاول العلماء تفسير هذا التأثير الإيجابي الذي تحدثه أقراص خالية من العناصر الفعالة على أشخاص يكرسون حياتهم لممارسة التمارين الرياضية القاسية، فهل يرجع السبب إلى أن هذه الأقراص الوهمية تحملهم على بذل جهد أكبر للفوز؟
ويقول بيدي إنهم لاحظوا تحسنا في الأداء بنسبة تتراوح بين اثنين وثلاثة في المئة، لكن هذا التحسن لم يترافق مع تسارع النبض أو سرعة التنفس، كما هو متوقع إذا كان الرياضي يبذل جهدا أكبر من المعتاد، وكأن الرياضي، عندما يتناول العقار الوهمي، يحقق أقصى استفادة من الطاقة في جسمه، كالسيارة التي تقتصد في استهلاك الوقود.
ويعلل البعض هذا الأثر بأن الدواء الوهمي يخفف القلق. فإذا ظن الدرّاج أنه يتناول بعض المواد التي تعزز أداءه، سيقبل على التنافس بأعصاب هادئة لأنه يظن أن هذه المواد ستساعده في الفوز. ويقول بيدي إن القلق أو الضغط النفسي يترافقان عادة مع الإجهاد العضلي، الذي يستنفد طاقة اللاعب.

مكسب دون ألم

وثمة تفسير آخر، وهو أن الدواء الوهمي يؤثر على المسارات العصبية التي تنظم الألم والقدرة على التحمل. وتقول إيما كوهين، مديرة مختبر بجامعة أكسفورد، إن الشعور بالتعب يمنعك من مواصلة التمارين الرياضية ويعوق الأداء، ولن تجدي محاولاتك لتجاهل الألم.
هل يمكن أن تكون المعتقدات هي سر الأداء المميز؟
لكن الألم الذي نشعر به أثناء ممارسة التمارين الرياضية يسهم في حماية الجسم من الأضرار. وتقول كوهين، إن الإرهاق ينبهنا للتوقف عند نقطة معينة لئلا يتعرض الجسم للمخاطر. فبإمكانك أن تواصل ممارسة التمارين الشاقة لوقت أطول دون توقف، لكن الجسم والدماغ يحرصان على الاحتفاظ ببعض الطاقة، لعلك تحتاجها لاحقا.
وتقول كوهين إن الدماغ يحتسب الطاقة التي ينبغي أن يحتفظ بها الجسم بناء على الإشارات التي ترسلها العضلات، وحالة الطقس، ومدى الشعور بالعطش والمسافة المتبقية لبلوغ الهدف، مع الأخذ في الاعتبار المعلومات من التجارب السابقة، مثل أقصى مجهود بدني يمكن للجسم تحمله.
ويطلق العلاج الوهمي إشارة زائفة تؤثر على حسابات الدماغ، إذ يتيح للجسم الاستفادة من الموارد التي يخصصها الدماغ للعضلات أثناء التمرن.

علاج زائف في صورة أصدقاء

وتشير كوهين إلى عامل آخر قد يربك حسابات الدماغ، وهو سلوكيات الآخرين. وصاغت مصطلح "العلاج بالإيحاء الاجتماعي" للإشارة إلى تأثير الترابط والدعم من الآخرين على الأداء، من خلال تخفيف الألم والإرهاق والقلق.
وخلصت التجارب التي أجريت في المختبر، إلى أن لاعبي الرغبي الذين مارسوا تمارين الإحماء مع زملائهم في الفريق كانوا أسرع من أقرانهم الذين مارسوها بمفردهم بنحو ست ثوان.
ويعرّف بينديتي العلاج الوهمي بأنه لا يقتصر على الدواء فقط، لكنه يمتد إلى الكلمات والإيحاءات والطقوس وغيرها مما يدخل ضمن العملية العلاجية في سياق نفسي واجتماعي. وربما ينشّط تأثير العلاج الوهمي مسارات عصبية تطورت منذ آلاف السنين.
*

تأثير البلاسيبو.. هل يمكن لدواء وهمي التغلُّب على مرض عضال؟

مع فيلم وثائقي 

كأن تُخبر أي شخص أن الحليب -مهما كان مصدره- هو مشروب غذائي، وسوف تستجيب أمعاؤه كما لو كان المشروب قليل الدسم. اصطحب الرياضيين إلى الجزء العلوي من جبال الألب، ودرِّبهم على آلات التمارين الرياضية وربطهم بخزان الأكسجين، وسيكون أداؤهم أفضل مما لو كانوا يتنفسون هواء الغرفة، حتى لو كان هواء الغرفة نفسه هو المعبأ في الخزان. أيقظ مريضا من الجراحة وأخبره بأنك أجريت عملية لركبتيه، وستتحسَّن ركبته حتى لو كان كل ما فعلته هو تخديره وعمل شقين في جلده. أعطِ دواء اسما فاخرا، وسيعمل أفضل مما لو لم تعطِه هذا الاسم الفاخر. ويُضيف: "ليس عليك أن تخدع المريض، حيثُ يُمكنك أن تُخبر الذي يُعاني من القولون إنك تمد له حبة حلوى سُكرية -لا غير- ثبت أنها فعّالة عند استخدامها علاجا لحالات القولون التي يُعاني منها".

 كلما أخذت الوقت الكافي لإيصال هذه الرسالة بدفء، وباهتمام، فإن هذه الحيلة من شأنها أن تُظهِر نتائج قوية مع أولئك الذين يُعانون من الاكتئاب، آلام الظهر، الشعور بالضيق الذي يُصاحب العلاج الكيميائي، والصداع النصفي، واضطراب ما بعد الصدمة. ولكنه لا ينسى الإشارة إلى أن استجابة المريض للعلاج الوهمي "البلاسيبو" تختلف من مريض لآخر.

 بحث إذا كان الناس قد يستفيدون من العقار الوهمي حتى لو علموا أنه دواء وهمي بدون مكونات فعالة. وكانت المفاجأة أن العلاج الوهمي حسَّن الأعراض لدى الأشخاص المصابين بمتلازمة القولون العصبي رغم علمهم بأنهم يتناولون عقارا وهميا.

"عقلك هو أقوى ما يُمكن أن يكون تحت سيطرتك".

(كيث هولدن، قوة العقل في الصحة والشفاء)

 طقوس الطب، ورموز الطب، والطبيب الدافئ المتعاطف (في سياق لقاء سريري) يُنشِّطون الناقلات العصبية في الدماغ، وهو ما يُحفِّز مناطق معينة من الدماغ قابلة لتعديل أعراض المرض الظاهرة على المريض"



**


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

فيروس كورونا: هل تستطيع تجنب لمس وجهك لتفادي الإصابة بالفيروس؟

11 مرضاً تسبب تغيّرات في الشخصية