الشباب أسرى طموحات آباء فشلوا في تحقيق أحلامهم 2019

يستسلم الشباب لرغبات الأسرة في دراسة التخصص الذي يحظى بمكانة
اجتماعية مرموقة، ّ بالرغم من تشـــــبع سوق العمل بها وعدم الحاجة إليها،
فرغم شـــــغف الجيل الجديد بالتغييـــــر والتطوير والحداثة ورفض الخضوع
إلا أن الأفكار المتوارثة عن المهنة ما زالت تتحكم في قراراتهم المستقبلية

ويفضل الشباب، بشكل آلي، الابتعاد
عن بعـــض التخصصات الدراســـية من
باب الحفـــاظ على المظهـــر الاجتماعي.
ويتجنب قطاع كبير مـــن الجيل الجديد
اختيـــار التخصصـــات الحديثـــة، فـــي
الكليـــات أو المـــدارس الفنيـــة، مع أنها
أســـاس القوام الاقتصادي والاجتماعي
مســـتقبلا، لذلك تزداد نسب البطالة في
البلـــدان العربيـــة، ووصلـــت معدلاتهـــا
إلى ثلاثة أضعـــاف مثيلاتها في مناطق
أخرى، وأحد الأسباب الرئيسية في ذلك
اختيارات الشباب الخاطئة للتخصصات
الدراســـية التي تؤهلهم لســـوق العمل،
مدفوعين غالبا بتحقيق رغبات الأســـرة،
أو الاستسلام لها


ليـــس غريبـــا عنـــد اســـتطلاع آراء
الشـــباب العرب وهم في منتصف طريق
التعلـــم، حـــول أحلامهـــم وطموحاتهم
الوظيفيـــة والمهـــن المســـتقبلية، أن
تأتـــي الإجابـــات متشـــابهة ولا ترتبـــط
باحتياجـــات ســـوق العمـــل، كأنهـــا لا
تعنيهم ولا تحتـــل مكانة في عقولهم، أو
لم يعد المردود المادي وسرعة التوظيف
عاملين أساســـيين، فالمهم نظرة الناس
للتخصص العلمـــي أو الوظيفة،
والتي
ترســـخت في أذهانهم بديهيـــا مع كثرة
تداولها في المجتمع


الكثير من الشباب يقعون
ضحية اختيارات أسرهم
التي تتأثر بما أقدموا
عليه في السابق، أو نتيجة
لمقارنات داخل العائلة

والمفارقة أن هؤلاء الشباب شغوفون
بالتغييـــر والتطويـــر والحداثـــة ورفض
الخضـــوع لفكـــرة التقليـــد الأعمـــى، ولا
يميلـــون إلى تطبيـــق ذلك عنـــد اختيار
التخصصات الدراسية.
تحلـــم نســـبة كبيرة منهـــم بامتهان
الطـــب والصيدلـــة والهندســـة والإعلام
والعلـــوم السياســـية والألســـن، لمجرد
أن لهـــا بريقـــا ومكانـــة بيـــن النـــاس،
توارثوهـــا عبـــر الأجيـــال، أمـــا كليات
التكنولوجيـــا الحديثة والبرمجة وعلوم
الفضـــاء والزراعـــات التطبيقية والذكاء
الاصطناعي، فالإقبال عليها قليل للغاية.
وأعلنـــت نقابـــات المهندســـين
والصيدلـــة وطـــب الأســـنان والعـــلاج
الطبيعي في مصر عن تشبع سوق العمل
بالخريجين. وقالت نقابة الصيادلة مثلا
إن البلـــد لا يحتـــاج إلـــى صيدلي واحد
قبل مرور 5ســـنوات

صيدلي واحد
ومـــع ذلك التحق
15ألف طالب وطالبـــة بكليات الصيدلة
هـــذا العام. أما نقابة الأطباء فحذرت من
اســـتمرار قواعد الالتحاق المعمول بها
  
لأنـــه خلال ثلاث ســـنوات ســـوف يكون
هناك طبيب لكل 900شخص.
في مصـــر، مـــن النـــادر أن تتناقش
الأســـرة مع ابنها الشـــاب قبـــل اختيار
التخصص الدراسي الذي سيحدد مصير
وظيفتـــه، ودراســـة احتياجات الســـوق
والمهن التي يزيد عليها الطلب
 
هذه ثقافة ليســـت رائجة لدى أســـر
كثيـــرة، فالمهم أن يحمـــل لقب طبيب أو
صيدلي أو مهندس، حتى لو كان مصيره
الجلوس في المنـــزل عقب التخرج. فهو
في النهاية دكتور، وسوف يقول الجيران
والأصدقاء وباقي أفـــراد العائلة إن هذه
الأســـرة )أســـرة الطالب( أصبـــح لديها
دكتور أو مهندس، وهكذا

ضحية مفاهيم خاطئة

يقـــول حســـن الخولـــي خبيـــر علـــم
الاجتماع والأنثروبولوجيـــا، إن البعض
من الشباب يقعون ضحية لمفاهيم خاطئة
وعادات تركن إلى عدم المجازفة والســـير
علـــى نهج الســـابقين مـــن دون أن يكون
هناك إدراك لطبيعة متطلبات المستقبل

وأضـــاف لـالعـــرب، أن التغيـــرات
الســـريعة فـــي ســـوق العمل دفعـــت إلى
تغيير خارطة ما يســـمى بـكليات القمة،
وتقدمـــت عليهـــا الكليـــات التكنولوجية
الحديثـــة، غيـــر أن هـــذا التقـــدم مـــا زال
غائبا في الكثير من الـــدول العربية التي
تعاني أيضـــا ندرة في أصحـــاب الحرف
بفعل رفـــض الشـــباب امتهانهـــا، فضلا
عن الإهمـــال الحكومـــي للتعليـــم الفني،
ونظرة المجتمع نفســـه لأصحاب الحرف
باعتبارهم من ذوي المستوى الاجتماعي
المنخفض، ما دفع الشباب إلى هجرها.
وأشـــار إلـــى أن الكثير من الشـــباب
يقعـــون ضحيـــة اختيارات أســـرهم التي
تتأثـــر بمـــا أقدموا عليه في الســـابق، أو
نتيجـــة لمقارنات داخل إطار العائلة، وقد
يكون ذلـــك دون رغبة الطالب الأساســـية
لكنه يتأثـــر بالتطـــورات المحيطة به، ما
ينعكس على زيادة عدد الشباب العاملين
فـــي مجـــالات بعيـــدة عـــن تخصصـــات
دراستهم

أحمـــد مصطفى، شـــاب مصـــري كان
يحلـــم بالالتحاق بكلية علـــوم بيانات أو
حاســـبات ومعلومـــات، لأن ســـوق العمل
بحاجة إلى هـــذه التخصصـــات باعتبار
أن التكنولوجيا موجـــودة في التفاصيل
الحياتية، لكن والده تمســـك باختيار كلية
الهندســـة لأنه كان يحلـــم بدخولها عندما
كان شابا.
وأكد أحمد أن أغلب الشباب لا يشغلهم
اختيار تخصص دراسي يؤهلهم لوظيفة
بســـبب الإحبـــاط من المســـتقبل، وتردي
الأوضـــاع الاقتصاديـــة والاجتماعيـــة،
فأصبح التعليم عبارة عن شـــهادة يحتاج
إليها الخريج عندمـــا يتقدم لخطبة فتاة،
أو وقـــت التقدم لوظيفـــة ترضي طموحه
الشـــخصي، والأزمـــة الأكبر أن الشـــباب
مستسلمون بسهولة للمؤثرات المحيطة
بهـــم ولا يبـــادرون بالتغييـــر مـــن تلقاء
أنفسهم.
وأوضـــح لـالعـــربأن غيـــاب
احتياجات السوق عن فكر الشباب مرتبط
بعوامل كثيرة،
أبرزها أن
تعلم

مرتبط بإدمان الأســـر على إلحاق أبنائها
بكليات لها ســـمعة وتاريـــخ، ولأن الأهل
يقررون مســـتقبل أولادهم، فإن الشـــباب
ســـيظلون رهينـــة طموحات الآبـــاء التي
فشلوا في تحقيقها حينما كانوا صغارا.
تكمـــن المشـــكلة في ميـــل الكثير من
الشـــباب المعاصرين إلـــى التخصصات
التـــي لا ترهقهـــم مســـتقبلا، فأكثرهـــم
يرفضـــون المهـــن الحرفيـــة. والمصيبة
الأكبـــر، حســـب أحمد، أن عائلة الشـــاب
تعتبـــر التحاقـــه بأي تخصص دراســـي
معاصـــر دليلا على فشـــله وضيـــق أفقه
وعقـــم تفكيـــره، ما يجعلـــه يتراجع أمام
دوافعه لتغييـــر وجهة نظر الآخرين فيه،
ولا بديل عن استقلال الشاب دراسيا عن
طموحات ورغبـــات وتدخلات الأهل، لأن
ثقافتهـــم ونظرتهم للوظيفـــة مرتبطتان
بالماضي.


تحولات جذرية
تذهب بعض الدراسات إلى أن سوق
العمل في المنطقة العربية ســـوف تشهد
تحولات جذرية تشـــبه الغربلة، للأعمال
التي تشـــبعت بالخريجين ولـــم تعد لها
فائـــدة، لصالح مهن وتخصصات جديدة
معاصـــرة، ما يهدم كل المســـلمات التي
يتعايش معها الشباب في الوقت الحالي.
وذكرت دراســـة قامت بها شركة دل
) (dellبالاشـــتراك مـــع معهد متخصص
في الدراسات المســـتقبلية عام ،2017أن
85بالمئـــة من المهـــن الموجودة بحلول
العام 2030ســـوف تختلف بشـــكل كلي
عن الأشغال الراهنة، وبعض

لذلـــك علـــى الفئـــات الشـــبابية فـــي
المرحلة العمرية بين 18و 30عاما، إدراك
حتمية التغيير الذي تشهده سوق العمل،
وعليهـــم التخلـــي عـــن مقاومـــة التغيير
والخـــروج عن دوائر التفكيـــر التقليدية،
وتطوير مهاراتهم استعدادا للدخول في
منافسة جديدة سوف يصبح حسمها بيد
القدرات العقلية التي تســـتطيع التكيف
مع المتغيرات الجديدة.
وتكمـــن أزمة الكثير من الشـــباب في
أنهم لا يجيدون قراءة المشهد والمستقبل
جيـــدا، ولا يهتمون بالتغيـــرات العالمية
المتســـارعة والتطـــورات الحاصلـــة في
المجالات المختلفة، سواء الاقتصادية أو
الاجتماعية أو الثورة التكنولوجية، وإن
قرأ بعضهم وأصبح على دراية بكل ذلك،
قد لا يكـــون طموحا ليتعلم أو يتخصص
في مجال يؤهله ليكون أداة للتغيير

ابتعاد
الشباب عن التطورات المتسارعة عالميا
في ســـوق العمل، يخرجهم من المنافسة
رغم امتلاكهم مهارات وقدرة على النجاح
والتحـــدي تـــكاد تتخطـــى الموجود في
أوروبا، لكنهم بحاجة إلى مساعدة الأهل
والمجتمع والحكومـــات لتغيير نظرتهم
للتخصص الدراسي ووظيفة المستقبل.
وأشـــار لـالعـــرب، إلـــى أن فـــارق
الســـرعات بين نظرة الغرب للعلم ونظرة
العـــرب للتعلـــم، ســـببه أنهم شـــغوفون
بالتطويـــر مـــن أنفســـهم، لكننا نخشـــى
هذا الأمـــر، خوفا من الفشـــل، ونفكر في
إمكانية الرســـوب فـــي التجربة قبل دعم
نجاحها.. إن الشـــباب العـــرب يمتلكون
قدرات هائلة على فرض أنفســـهم عالميا
باقتحـــام تخصصات دراســـية معاصرة
ودعم نشرها في المجتمع، فلم يعد ممكنا
اســـتمرار تخصصات تخاطب الماضي،
لأن ذلك مقدمة للإخفاق في كل شيء.

ويـــرى متابعـــون أن الأمـــر لا يرتبط
فقط بدعم وتشـــجيع الشـــباب على اتخاذ
قـــرارات تحديـــد مصيرهم المســـتقبلي،
وفـــق احتياجـــات الســـوق والتطـــورات
المعاصرة، لكـــن الحكومات لها دور فاعل
في مواكبة تلك التطورات من خلال افتتاح
أقســـام علمية حديثة، ودفع الطلاب نحو

الانضمام إليها من خلال إيقاف اســـتقبال
طلاب جـــدد بالتخصصات غير الموجودة
في ســـوق العمل المســـتقبلية. ولا يمكن
إلقـــاء المســـؤولية كاملـــة على الشـــباب
واعتبار أنهم متخاذلون، فهناك حكومات
تنمـــي لديهم الاستســـهال والرضا بالأمر
الواقع.

مسؤولية الجامعات
ويقـــول هؤلاء إن بعـــض الحكومات
العربية أصبحت مســـؤولة عـــن موازاة
التخصصـــات الدراســـية باحتياجـــات
ســـوق العمل لا إفســـاح المجال للشباب
كـــي يختار ما يشـــاء بناء علـــى قناعات
لـــن تفضـــي ســـوى إلـــى المزيـــد مـــن
البطالة وتدهور المســـتوى الاجتماعي.
والمطلوب مـــن المؤسســـات التعليمية
أن تكون لكل تخصـــص جامعي أو فني،
وظيفـــة، مع نســـف الوضـــع القائم منذ
عقود طويلة، في طريقة تنســـيق القبول
بالجامعـــات حســـب المجمـــوع الأعلى 

وأخـــذت الحكومـــة المصرية مؤخرا
علـــى عاتقهـــا معالجـــة أزمـــات التعليم
الجامعـــي ومخرجاته، مـــن خلال وضع
قيود على التوسع في ما يعرف بـكليات
القمةالتي لم تعد ســـوق العمل بحاجة
إلـــى المزيد منهـــا، وقـــررت التوقف عن
منح تراخيص جديـــدة لهذه الكليات في
الجامعـــات الخاصـــة، كبدايـــة لإلزامها
بالتعامـــل مـــع ســـوق العمـــل بمنطـــق
الأولويات، ومقدمة لتغيير نظرة الشباب
لمفهوم كليات القمة عموما

 ويتطلـــب تغييـــر أولويات الشـــباب
ونظرتهم للتعليم وسوق العمل، إقناعهم
بمزايا التخصصات الدراسية المعاصرة
ومجـــالات التوظيف فيها، مـــع ضرورة
تنظيم حوارات وإطلاق حملات إعلامية
لتغيير ثقافة ومعتقدات الأســـر نفســـها
تجاه نظرتها لمستقبل أولادها.
ومـــن الصعب إقناع ولـــي أمر تربى
ونشأ على تقديس كلمة طبيب أو مهندس
بأن الأفضل لابنه أن يلتحق بكلية تربية
أســـماكأو الـــذكاء الاصطناعـــي،
وبالتالي لن تنجح مهمة أي حكومة دون
ظهيـــر مجتمعي يدعـــم تطوير طموحات
وأحلام الشباب وفق متطلبات العصر

ودعم وليد غنيم، الطالب بكلية العلوم
فـــي جامعة القاهـــرة، هذا الـــرأي، وقال
لـالعـــرب“ ”عدم الإلمـــام بالتخصصات
المعاصـــرة التـــي تحتـــاج إليها ســـوق
العمل يحد من اختيار الشباب للالتحاق
بها، فهي غير معروفة بالشـــكل المطلوب
ولا يدرك أكثر الشـــباب الفرص المتاحة
للتوظيف بعد التخرج فيها، وهذه مهمة
الحكومة والقطاع الخاص، فالشـــاب لن
يغامر بدراسة تخصص نادر ومستقبله
غير مضمون.
وتشـــير بعـــض التقديـــرات إلـــى أن
بعض المهن الجديدة سوف تحضر بقوة
مســـتقبلا، رغـــم أنها لا تحظـــى باهتمام
الشباب، منها مدرب المعاملات التجارية،
والفـــلاح الحضـــري، والمتخصـــص في
الطباعـــة ثلاثية الأبعاد، ومـــدرب الواقع
الافتراضـــي، وتقنـــي المنـــازل الذكيـــة،
والمتخصـــص فـــي الجينـــات، ومطـــور
البيئـــات الافتراضيـــة، ومهنـــدس الذكاء
الاصطناعي.
واعتبـــرت شـــيماء عبدالإلـــه -عضو
تنســـيقية شـــباب الأحـــزاب المصريـــة،
ومتخصصة في مجـــال الإعلام التربوي-
أن الشباب بحاجة إلى الاهتمام بالتدريب
التحويلـــي الذي توفره المراكـــز العلمية
المهتمـــة بمجالات المســـتقبل، بما يؤدي
إلى تطوير مهاراتهـــم وتطويعها لصالح
سوق العمل 
 
وأوضحـــت لـالعـــربأن مواجهـــة
تغيرات المســـتقبل تتطلب الانفتاح على
الثقافـــات الغربيـــة المرتبطـــة بالتدريب
والدراسة المســـتمرة وعدم الاعتماد فقط
على الشـــهادات الجامعية، على أن تكون
هنـــاك مشـــاركة ّ فعالة من قبـــل المجتمع
المدنـــي ووســـائل الإعـــلام فـــي توعيـــة
الشباب وأسرهم بماهية المهن المطلوبة
والتخصصات الدراســـية المناســـبة لها،
ويقتنـــع الشـــاب بأنـــه ســـيحصد نتيجة
اختيار التخصص الجامعي الذي يرســـم
به مسار حياته العملية، سلبا أو إيجابا،
ولا بديل عن الحرية في الاختيار.
ومهما كان التخصص غريبا وشـــاقا
ويرى الشـــاب نفسه ومستقبله فيه ويقبل
عليه بثقـــة ورغبة قوية ويشـــعر بتوافق
وانسجام معه، ســـوف يكون بوابته نحو
تغيير مســـار حياتـــه وعائلتـــه، وحينها
يـــدرك الجميع أنـــه كان على حـــق عندما
تمرد علـــى التخصصـــات التـــي فرضها
المظهر الاجتماعي ولفظتها سوق العمل 

 


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

فيروس كورونا: هل تستطيع تجنب لمس وجهك لتفادي الإصابة بالفيروس؟

11 مرضاً تسبب تغيّرات في الشخصية