قبل أن تدخل الطب


23/10/2019

لكنك ستدرك متأخراً جداً أن باب الكلية الذي دخلت منه إلى عالم الطب هو باب أحادي الاتجاه يسمح لك بالدخول فقط دون الخروج، ستظل عالقاً يا عزيزي في هذا العالم طيلة حياتك، وكل لحظة تمر عليك ستنمو فيها الجدران عشرات السنتمترات لتفصلك تدريجياً عن الناس وعن الحياة. يخسر المرء الكثير بمجرد دخوله إلى هذا العالم القاسي، والأمر ليس متعلقاً فقط بكم الدراسة الهائلة المطلوب منك أن تنجزها، فمع مرور الأيام والسنين لا شك أنك ستعتاد على ذلك، حتى يصبح الأمر جزءاً مملاً من روتينك اليومي، كالطعام والشراب.. مع الوقت ستتعود وستتوقف عن التذمر من كثرة الكتب والمراجع والمحاضرات التي لا تنتهي.

المزعج والقاسي حقاً في حياة الطب هو أنك في مرحلة ما من مشوارك الدراسي -الطويل والذي لن ينتهي بالمناسبة- في لحظة ما سيتوجب عليك الاختيار ما بين الطب والحياة الطبيعية..! هذا طبعاً إن كنت محظوظاً وكيًّساً كفاية لتنتبه إلى أن ثمة مفترق طرق، ولتتخذ حينها قرارك بصورة واعية، فإن اخترت المواصلة على هذا الدرب فستجد نفسك قد تركت العالم من خلفك، ستنبه لهذا الأمر متأخراً جداً بحيث لا يمكنك العودة أو تصحيح المسار، وفي مرحلة متأخرة من حياتك ستلاحظ أن البشر قد استحالوا في عينيك إلى مرضى وأصحاء ولا شيء آخر.. لا أصدقاء لا أحباء.. وستجد أن نفسك ذاتها قد تصحرت من المشاعر والأحاسيس وتبلدت تماماً بفعل الموت الكثير والآلام التي رأتها عيناك في المرضى الذين كانوا من حولك ذات يوم.


لا يعود الإنسان صالحاً للحياة الطبيعية بعد أن تخوض عيناه في مناظر الدماء ويداه في الأعضاء البشرية المتهتكة والآلام والصراخ والموت.. فكل هذه المشاعر القاسية والمشاهد الصعبة التي قد يختبرها المرء لمرة واحدة أو اثنتين في حياته كلها هي روتين الأطباء اليومي الذي يعيشونه صباح مساء..! لذا شخصياً أتمنى أن تتمكن الربوتات في يوم ما من تولي زمام مهنة الطب بالكامل حتى يتثنى للبشرية التوقف عن إلقاء فلذات أكبادها في هذا الجحيم النفسي المضني الذي لا يمكن توصيفه!

الإحصائيات في هذا المجال قاتلة بحق، إذ أن هؤلاء الطلاب المساكين -طلاب الطب- هم الأكثر عرضة للإصابة بالأمراض كالضغط والسكري والسكتات القلبية المفاجئة، حوالي نصف طلاب الطب في العالم يعانون من الاكتئاب، وأحد عشر طالباً من بين كل مئة تدور في رؤوسهم أفكار انتحارية. والأطباء بشكل عام هم أصحاب الأعمار الأقصر مقارنة ببقية المهن والتخصصات الأخرى.

وإحصاءات أخرى كثيرة محملة بالكثير من الأرقام التي لا تسر، لكن رغم كل هذا لا يحق لهم "الشكية" ولا أحد ينتبه نهائياً لهذا النوع من المعاناة الي يقاسونها في كل لحظة أو تلك المقايضة اليومية لحياتهم الشخصية في سبيل المرضى وآلامهم، فقط الشيء الوحيد الماثل أمام الناس هي تلك الصورة النمطية للأطباء بصفتهم الملائكية التي لا تنام ولا تتعب ولا تخطئ، "ملائكة غنية ومرتاحين مالياً" ولا شيء آخر! 

+++++++++++++

هل اختيارك لمهنة الطب يعرض حياتك للخطر؟

22/5/2019
العنف ضد الطواقم الطبية هو ظاهرة عالمية.
هناك عدة أشكال للعنف ضد الطواقم الصحية؛ منها العنف الجسدي، واللفظي والتنمر. فالعنف الجسدي؛ قد يكون على شكل ضرب، أو طعن باستخدام أدوات حادة كالسكاكين، أو حتى اغتصاب. فبحسب منظمة الصحة العالمية، هناك ما يقارب 38.8 بالمئة من العاملين في القطاع الصحي قد تعرضوا للعنف الجسدي. وأكثر من ذلك بكثير ممن تعرضوا للعنف اللفظي (١). كما أن العاملين في القطاع الصحي، معرضون للعنف في العمل أربع مرات أكثر بالمقارنة مع العاملين في القطاعات الأخرى (٢). وقد يصل العنف لإطلاق النار، فهناك -على سبيل المثال- ٩١ حالة إطلاق نار داخل المشافي مسجلة في الولايات المتحدة في الفترة بين عامي ٢٠٠٠-٢٠١١. وبالرغم من تلك الأرقام، إلا أنه يقدر أن ٧٠-٨٠ بالمئة من حالات العنف الجسدي قد لا يتم التصريح عنها (٢). ففي أمريكا، ٣٠ بالمئة من العاملين في التمريض وربع أطباء الإسعاف فقط يصرحون عن تعرضهم للعنف (٣).

والعاملون في قطاع التمريض، قد يكونون الأكثر تعرضا للعنف بسبب احتكاكهم المباشر مع المرضى. ففي دراسة كبيرة ضمت 347 151 من العاملين في التمريض، من ٣٨ دولة حول العالم، وجد باحثون من جامعة جنوب فلوريدا، أن ربع العاملين في التمريض قد تعرضوا لتحرشات ومضايقات جنسية، وثلثهم تعرضوا للاعتداء الجسدي، والثلثين قد تعرضوا لأشكال أخرى من العنف (٤). وأكثر هذه المضايقات تحدث في قسم الإسعاف، ووحدات طب الشيخوخة، والطب النفسي (٤). وبحسب نفس الدراسة، فإن العنف الجسدي والتحرش الجنسي يحصل أكثر في دول الأنغلو Anglo (الدول الناطقة بالإنجليزي)، بينما التنمر هو الأعلى في منطقتنا، منطقة الشرق الأوسط (٤). وفي حين أن مصدر العنف غالبا قد يأتي من المريض نفسه في دول الأنغلو وأوربا، ففي منطقتنا مصدر العنف غالبا قد يأتي من قبل أصدقاء وأقارب المرضى(٤).

ومن الجدير بالذكر أن العنف ضد العاملين في القطاع الصحي يزداد بشكل كبير في مناطق الصراعات. ففي تقرير صادر عن ائتلاف حماية الصحة أثناء النزاعات Safeguarding Health in Conflict Coalition في العام ٢٠١٧، هناك أكثر من ٧٠٠ هجمة موثقة على القطاع الصحي في ٢٣ دولة حول العالم في ذلك العام (٥). ووفق التقرير أيضا، هناك ١٠١ حالة قتل، و٦٤ حالة ابعاد قسري للعاملين في القطاع الصحي حدثت في كل من أفغانستان، الكاميرون، جمهورية أفريقيا الوسطى، جمهورية الكونغو الديمقراطية، العراق، مالي، ميانمار، نيجيريا، باكستان، الصومال، جنوب السودان، الفلبين، سوريا، تركيا، وأوكرانيا (٥).

وإن أثر العنف الممارس على الطواقم الصحية قد لا يقتصر على العاملين به فقط، بل قد يتجاوز ذلك ليصيب القطاع الصحي عموما. فالضغط النفسي والأثر الجسدي الناتج عن هذا العنف قد ينعكس سلبا على كفاءة الرعاية الصحية المقدمة للمرضى. وعليه، يجب على المشافي والمراكز الصحية في العالم العربي الاستثمار أكثر في وسائل الحماية؛ كزيادة عدد وجهوزية عناصر حفظ الأمن، بالاضافة للاعتماد على معدات متطورة للمراقبة، التي تمكن عناصر حفظ الأمن للتدخل السريع في حالات الضرورة. كما أنه يجب على الحكومات تحديد سياسات واضحة للحد من حالات العنف ضد العاملين في المجال الصحي. منها، الزام المشافي في تبني برامج تشجع المرضى على الشكوى في حال حدوث أي تقصير من جانب الطاقم الطبي. وفي المقابل، معاقبة الأشخاص الذين يخلون بالأمن العام.



تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

فيروس كورونا: هل تستطيع تجنب لمس وجهك لتفادي الإصابة بالفيروس؟

11 مرضاً تسبب تغيّرات في الشخصية