«تكليف شخصي».. قصة طبيب شاب مع نظام الزمالة الجديد

Aug 2, 2020

أصبح موهلًا لممارسة مهنة الطب بعد عام الامتياز، وهو العام الأخير في الدراسة بكليات الطب، وفقًا لنظام التعليم المصري، يعمل فيه الطبيب بأحد المستشفيات الجامعية، ويتدرب عمليًا تحت إشراف أعضاء هيئة التدريس بكليات الطب في الأقسام المختلفة. خلال هذا العام يجب أن يكمل ستة دورات تدريبية، تستغرق الواحدة منها ثمانية أسابيع، وهي الجراحة العامة، والباطنة العامة، والأطفال، والنساء والتوليد، والطوارئ وثمانية أسابيع أخرى اختياري بين تخصصي الباطنة أو الجراحة. ولا يحق للطالب إصدار أمر خروج للمريض من المستشفى أو إعطاء تقارير أو وصفات طبية بدون الرجوع إلى الطبيب المعالج.

كان كل شيء واضحًا له في المستقبل القريب بعد التخرج، مفترض بعد تخرجه من الامتياز أن يقضي عامين في نظام تكليف الأطباء المعمول به منذ عام 1996، والذي يكلّف فيه وزير الصحة خريجي كليات الطب، في العام الأول، للعمل كـ«ممارس عام» في أحد مستشفيات وزارة الصحة أو الوحدات الصحية التابعة للوزارة في إحدى محافظات مصر، في نظام أشبه بالتجنيد الإجباري، ثم في العام الثاني تبدأ رحلة التخصص والتحول إلى «نائب» في إحدى المستشفيات التابعة للوزارة  في أحد الأقسام/التخصصات الطبية، ويحق للنائب مدّ التكليف لعامين آخرين يقوم خلالهما أثناء العمل بالمستشفى بعمل الدراسات العليا- إما الماجستير أو الزمالة المصرية، في تخصص معين، ويصبح بعدها «اخصائي» يعمل في إحدى التخصصات الطبية.

انشغل خالد أثناء مرحلة الامتياز في الخيارين المتاحين داخل نظام التكليف القديم، إما أن يقضي العام الأول كاملًا في أي وحدة صحية بإحدى قرى الجمهورية ليصبح بعدها ممارسًا عامًا، أو يختار قضاءه في محافظة حدودية نائية، وفي تلك الحالة تصبح فترة التكليف الأولى ستة أشهر فقط، ويحصل خلالها على امتيازات إضافية مثل زيادة الراتب، ويختار التخصص الذي يريده بعدها داخل المستشفى الذي يختار العمل به. 

تغيرت الخطة فجأة قبل تخرجه بخمسة أشهر. في أكتوبر الماضي أعلنت وزارة الصحة عن إلغاء نظام التكليف القديم وطرحت بدلًا منه نظام الزمالة المصرية الجديد. يقضي الطبيب في برنامج الزمالة المصرية الجديد ثلاث سنوات، بدلًا من قضاء عامين في التكليف القديم. وفقًا للمعلومات المنشورة من وزارة الصحة، يلتحق الطبيب بعد انتهاء فترة الامتياز مباشرة في أحد التخصصات، لكن وفقًا للفرص المتاحة في وزارة الصحة، وبالتالي لم يعد اختيار التخصص من حق الطبيب بل أصبحت تحدده وزارة الصحة له وفقًا لاحتياجاتها. تنقسم كل سنة في نظام الزمالة المصرية الجديد إلى؛ تسعة أشهر في المستشفى العام التي يتلقى فيها برنامج الزمالة، وثلاثة أشهر في إحدى وحدات الرعاية الأساسية، وهي 5300 وحدة مُنتشرة في القرى المصرية تقدم الخدمات الصحية الأساسية للقرى غير الجاذبة للأطباء، وتنقسم إلى مكاتب الصحة وحدات صحة الأسرة، ومراكز صحة الأسرة (الأكبر حجمًا من الوحدات)، وإذا اختار أحد التخصصات النادرة مثل التخدير والطوارئ والرعاية المركزة يقضي فترة التدريب بأكملها في المستشفى.

الهدف من نظام الزمالة الجديد هو تعويض النقص الحاد في عدد الأطباء، وفقًا لوزيرة الصحة والسكان، في 691 مستشفى، هي إجمالي قطاع المستشفيات الحكومية في مصر. تقول الوزيرة إن نظام الزمالة المصرية الجديد هو بديلًا عن عامي التكليف والزمالة المصرية، المعمول بها منذ 22 عامًا في وزارة الصحة. 

رؤية الوزارة لبرنامج الزمالة الجديد، وفقًا لوزيرة الصحة والسكان، أن الطالب كان بعد تخرجه لديه أحد المسارين؛ إما الالتحاق بالجامعات المصرية حتى يصبح أستاذًا في الجامعة وهو عدد لا يتجاوز 10% من الخريجين كل عام، أما الأغلبية يذهبون إلى التكليف لعامين، وبعدها يلتحقون بأحد النيابات أو التخصصات ويسعون إلى دراسة الماجستير أو الحصول على برنامج الزمالة المصري القديم، الذي يستطيع 30 % فقط من الأطباء الملتحقين بوزارة الصحة الحصول عليه، وهي فترة تستغرق خمسة أعوام، لذلك كان هذا أحد الأسباب الجوهرية لعدم بقاء الأطباء في النظام الصحي الحكومي، بالإضافة إلى قلة الرواتب، لا توفر الوزارة له تعليمًا مناسبًا.

شككت نقابة الأطباء في قدرة المستشفيات في برنامج الزمالة الجديد على استيعاب أعداد الأطباء حديثي التخرج كل عام، حيث قالت وزيرة الصحة أمام البرلمان في نوفمبر الماضي إن الوزارة اعتمدت 302 مستشفى ضمن برنامج الزمالة المصرية. كانت الزمالة المصرية التي يلتحق بها الأطباء بعد سنتي التكليف تستوعب 2000 طبيب، والآن عليها أن تستوعب حوالي ثمانية آلاف طبيب، وهو ما يضع تحديات أكبر على برنامج الزمالة المصرية، والتي تعتبر أهم شهادة طبية في مصر. الأمر الثاني الذي لفتت إليه النقابة هو مدى قدرة النظام الجديد على توفير عدد كافٍ من الأطباء لكل وحدات الرعاية الأساسية الـ5300 إذا التحق الأطباء منذ العام الأول للزمالة في المستشفيات العامة.

امتنعت دفعة مارس 2020 والمكونة من سبعة آلاف طالب وطالبة في جامعات مصر الحكومية عن التسجيل في برنامج الزمالة المصرية، وطالبوا الوزارة بإلغائه والعودة إلى نظام التكليف القديم.

عندما قرأ خالد عن نظام الزمالة المصرية الجديد وصل له انطباع أن «النظام الجديد معمول لسد العجز لكنه غير منصف للطبيب نفسه».

كان الباب الوحيد المسيّر لخالد هو التسجيل في التكليف القديم، والذهاب لأي وحدة صحية، «في النظام القديم تقدر في خلال الستة شهور الأولى تكتشف الحياة العملية بالتعامل مع الناس في الوحدات الصحية، وتتأكد من التخصص القريب لقلبك. أما النظام الجديد من ضمن عيوبه إنه يملي عليك التخصص في وقت بيكون الطبيب محتار بعد التخرج، خصوصًا أن التخصص اللي هختاره هيفضل معايا طول حياتي». يقول خالد، ويضيف «عندنا الطبيب في حاجتين بيلبس فيهم طول عمره؛ التخصص والزواج. بل بالعكس، الزواج يمكن ينتهي بالانفصال من غير مشكلة طالما برضاء الطرفين، أما التخصص مافيش هرب منه، وعشان كده لازم آخد فرصة أتعرف على التخصصات».

اقتنع خالد بمطلب زملائه من خلال جروب الدفعة على فيسبوك. بعد إتمامه الامتياز، حصل على ترخيص مزاولة المهنة من نقابة الأطباء في بداية مارس، ورفض الانضمام لبرنامج الزمالة المصرية، وراح يفكر في طريق ثالث.

بعد أيام قليلة من حصوله على ترخيص مزاولة المهنة، دخل فيروس كورونا مصر. طوال الأشهر الثلاثة التي أعقبت تخرجه، ألحت أسئلة على رأسه حول قراره بالانضمام لمطالب الدفعة والامتناع عن التسجيل في النظام الجديد. لم يكن الإنضمام لمطالب زملائه في الدفعة من عدمه مسألة مطروحة للنقاش، في ظل «بيئة النظام الصحي البائسة، ووضع الأطباء فيها»، خصوصًا من تعوّد على استلهام دور الطبيب في المجتمع من مشاهدة مسلسلات مثل Dr. House و Grey’s Anatom، يقول خالد، فـ «طموحك بيكون عالي، ولما تبتدي تواجه النظام الصحي عندك، بيكون أمامك اختيارين؛ إما تقبل الأمر أو لا تهتم وتصبح لامبالي».

الأسئلة الحقيقية التي ألحّت عليه كانت أخلاقية، خصوصًا مع وجود عدوى تنتشر في البلاد ولا أحد يعلم متى ستنتهي. «هل يعاقبني القانون بتهمة التهرّب من التكليف؟ هل أنا بهرب من وظيفتي؟ أين ضميري؟» لكن سريعًا عاد خالد إلى رشده كما يقول: «أنا لا أهرب من وظيفتي، أنا حتى الآن لست على قوة الوزارة، ولم أتقاضى راتبًا من الحكومة».

بدأ كل شيء بعد الثلاثة أشهر الأولى في عام الامتياز، قضاها خالد، إجباريًا، في قسم طوارئ المستشفى الجامعي التابع للكلية، وتعلم خلالها المهارات الأساسية لطبيب الاستقبال بالمستشفى. قدم خالد طلبًا للانتداب من مستشفى الجامعة بمدينة طنطا في محافظة الغربية لسببين: الأول أن المستشفى التي درس فيها بعيدة عن مسكنه، والثاني أن يأخذ فرصته في التعرف ميدانيًا على وضع المنظومة الصحية في مصر من خلال المستشفيات التابعة لوزارة الصحة، بعكس قضاء الامتياز داخل المستشفى الجامعي، والتي تكون فيها مجرد مراقب لرئيس القسم، لكنك غير ممارس للمهنة، حتى أن بعض الطلاب لا يحضروا فترة الامتياز في المستشفى. 

قدم خالد طلبًا في إدارة الجامعة من أجل الانتقال إلى مستشفى زفتى العام، وافقت جامعة طنطا واشترطت لانتقاله أن يكتب تنازل عن مكافأة التدريب الشهرية التي يحصل عليها مقابل عمله في مستشفى الجامعة، «كانت مكافأة التدريب 400 جنيهًا شهريًا، وتنازلت عنها رغم أني كنت على قوة الجامعة أثناء وجودي بمستشفى زفتى العام، أقضي فترة امتيازي هناك منتدبًا».

في أبريل الماضي، زادت مافأة أطباء الامتياز في المستشفيات الجامعية التابعة لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي، ومستشفيات جامعة الأزهر، لتصبح 2200 جنيه شهريًا، بدلًا من 400 جنيه. كان القرار تكليفًا رئاسيًا، وفقًا لبيان من وزير المالية محمد معيط، الذي أن زيادة مكافأة أطباء الامتياز بالمستشفيات الجامعية، سواء التابعة لوزارة التعليم العالي أو الأزهر، وأنها ستكلف الدولة 320 مليون جنيه سنويًا، وذلك ضمن حزمة أخرى من الزيادات التي مُنحت للأطباء.

كانت مسألة الانتقال إلى مستشفى زفتى العام مفيدة على أي حال، فبعد مرور الثلاثة أشهر الأولى في المستشفى أصيب خالد بنوبة اكتئاب، وخرج بأسئلة وصلت حد عدم يقينه بحب مهنة الطب «أنا لا أعرف إذا كنت حابب الطب، ولا أنا فقط لا أريد ممارسته في المنظومة الصحية هنا؟».

كان خالد يعمل في وردية 12 ساعة في الاستقبال، القصص التي كان يسمعها من الأطباء الأكبر سنًا أصبحت تحدث له؛ أن يكون في قسم وفجأة يدخل مواطن صارخًا في وجهه وقد يحاول التعدي عليه قبل تدخل أمن المستشفى. يرى أن المستشفى كانت نظيفة وبها إمكانيات جيدة إلى حد ما، لكن الضغط عليها عالٍ جدًا، لا توجد سوى مستشفيات قليلة في المحافظة، وأطباء أقل يتعرضون للعمل في بيئة غير أدمية.

لكنه اكتشف أنه يتعلم كل شيء مع الوقت. «كان هناك دائمًا إحساس بالراحة والرضا عن النفس، حين يأتي شخص مريض ويخرج معافى من تحت يدي. تلك هي الأوقات التي لم أكن أمر بها بضغط نفسي». أكثر موقف دال على ذلك حدث في الشتاء الماضي. كان يعمل في وردية ليل بالاستقبال في مستشفى زفتى العام. جاء له رجل مسن لا يستطيع التبول، كان لديه احتباس في البول ومثانته متضخمة وتكاد تنفجر «هذا نوع من الألم لن يأتي لك حتى في أفظع كوابيسك». لم يكن طبيب الجراحة متاحًا في ذلك اليوم. صادف أن طبيبًا علمه قبلها بأسابيع تركيب الأسطرة، لكنه لم يمارسها أبدًا، تجرأ واصطحب العجوز إلى غرفة العمليات، ونجح في تركيب الأسطرة له، وسمع تنهيدة انتشاء الرجل بعد إفراغ مثانته، ودعواته التي لم تتوقف حتى غادر المستشفى، فشعر بالفخر.

انتهى عام الامتياز وقد حصل على تدريب لمدة شهرين في كل قسم من أقسام المستشفى، بالإضافة إلى تدريب قصير على المهارات الإدارية، وفي الأيام الأخيرة له بالمستشفى أصبح مشرفًا على قسم الاستقبال كله في الوردية.

تذكر الأسئلة التي كانت تشغل باله تجاه حال من تخرجوا من زملائه في الجامعات الأخرى؛ من الكليات الأقل في سنوات الدراسة كالآداب والخدمة الاجتماعية. كان يجدهم جالسين في المقهى محبطين، ينظر لهم ويقول في نفسه إنه لن يكون مثلهم عندما يتخرج. الآن فهمهم خالد. 

كانت المرة الأولى التي أدرك فيها خالد أن كثرة الاختيارات ليس شيئًا جيدًا، خصوصًا عندما يصاحبك اختيارك في المستقبل. وألحت أسئلة جديدة عليه، «أتخصص في إيه؟ أقعد ولا أسافر؟ ولو سافرت أسافر فين؟ ولو قعدت أشتغل في حاجة بتجيب فلوس؟ ولا أتمرمط وأتعب لأجل ما أتعلم».

سأل صديقًا له أصغر بعامين، لا يزال طالبًا في الكلية، تعرَّف عليه عندما تطوع معه في الامتياز، إذا كان أمامه فرصة عمل له حتى تنتهي أزمة التكليف إلى حل واضح.

وجد خالد بعد أسبوع أن الوضع في الكامب مثالي في تلك الفترة. يستغل يومه في القراءة والاستجمام وقليلًا من المذاكرة، ويتقاضى أجرًا عادلًا مقارنة بالمجهود الذي يبذله داخل الكامبات، يجري فحصًا للعاملين، ويضمّد جرح الزوار الذين تجرح أياديهم وأرجلهم أحيانًا من صخور الشاطئ. أحب نويبع، ووعد نفسه بأن يقضي فترة تكليفه بها إن عاد النظام القديم أو تم تعديل النظام الجديد، ولحت عليه أفكار مضيئة بعد أن سأله البدو الاستثمار في المنطقة، والتخصص في طب الأطفال، لأن أطباء الأطفال قليلون جدًا في وديان نويبع.

سمحت وزارة السياحة، في منتصف مايو، لبعض الفنادق السياحية بالفتح واستقبال زوار بنسبة 25% من طاقتها. كانت الفنادق والكامبات أغلقت منذ إجلاء الأجانب من مصر وتوقف السياحة، وفي محاولة لإعادتها مقتصرة على الداخلية منها، اشترطت الوزارة على الفنادق وجود طبيب مقيم لمنحها رخصة السلامة الصحية، ومن ثم إعادة الفتح، وعقب تطبيق القرار، نجحت خمسة كامبات فقط في مدينة نويبع في الحصول على رخصة السلامة الصحية لإعادة الفتح، بعد تنفيذ الاشتراطات التي جاء من ضمنها تعيين طبيب بالكامب لمتابعة الحالة الصحية للزوار. أخبره صديقه إن هناك فرصة جيدة للعمل كطبيب بمجموعة كامبات في مدينة نويبع موفقة أوضاعها.

أحب خالد التجربة. ذهب في اليوم السابق لعيد الفطر، وبدأ التفكير مع أصحاب الكامبات في خطة عمل واضحة قبل قدوم لجنة وزارة السياحة والصحة للإشراف على الإجراءات الجديدة داخل الكامبات، ونسّق مع مديرية الصحة بنويبع لمساعدته في إجراء التحاليل والأشعة إذا اشتبه في أي حالة.

خالد عبد العزيز أمام كامب بمدينة نويبع - صورة: محمد طارق



*

أنقذوا الزمالة

من أقدس المهن مهنة الطبيب، لكن في مصر يُعامل الطبيب بأسوأ طريقة، لذلك لا تستعجبوا من أن يرحل الأطباء عن مصر بالمئات بل بالآلاف.. مصر تتنافس مع الهند في أكثر دولة تقدم شهداء من الأطباء بسبب كورونا، ومع ذلك لم يحصل الأطباء الشهداء على حقوقهم بسبب هذه التضحية حتى الآن.. الأطباء يعانون الأمرّين في العمل في المستشفيات الحكومية، بسبب ما يتعرضون له كثيرا من اعتداءات أهالى المرضى، وضغط العمل بالمستشفيات العامة.. ومع ذلك نجد أن الدولة تتعامل بعنف مع الأطباء.. والآن وأخيرا، نجد أن هناك تعاملًا سيئًا جدًا مع الأطباء الشبان الذين يخوضون ما يسمى «الزمالة»، وهى شهادة طبية تتبع وزارة الصحة وتقوم على التدريب واكتساب المهارات أثناء العمل، وهى مثلها مثل الكثير من الشهادات الطبية في العالم، ويلتحق بها الطبيب أثناء عمله ويقضى بها ما بين أربع وسبع سنوات وهى تتيح له التخصص في فرع من فروع الطب بعد اجتيازه اختبارات نظرية وإكلينيكية.. وهكذا يصبح معترفًا به كإخصائى واستشارى.. لكن هذا يتطلب التدريب في مستشفيات مؤهلة لذلك.. لكن أخيرًا تم إبعاد الأطباء المتدربين للزمالة عن المستشفيات المميزة، وهى المستشفيات الجامعية والتعليمية والتأمين الصحى والأمانة والمؤسسة العلاجية.. تم الإخلاء الفورى للأطباء الشبان عن هذه المستشفيات دون أن يفهم الأطباء لماذا حدث هذا، فقد ذُكر السبب على أنه مأمورية لمدة شهرين، أو كما قيل لإعادة التوزيع، أو كما ذُكر «تغطية الاحتياجات الطارئة لكورونا»، رغم أن هذه المستشفيات التي تم الإخلاء منها، بعضها كان يعمل فعلا بعزل مرضى كورونا.

المهم أنه تم سحب الأطباء من المستشفيات المتميزة وتم توزيعهم على مستشفيات عامة ومركزية، أغلبها مستواها متواضع ولا تصلح للتدريب المطلوب لدارسى الزمالة.. المهم أنه بعد أن انتهت فترة الشهرين تمت بالفعل عودة المتدربين لأماكن تدريبهم في المستشفيات المميزة في وزارة الصحة، بينما ظل هناك رفض كامل لعودتهم للمستشفيات الجامعية.. والغريب أن الوزارة أصدرت في العام الأخير قرارا بإلحاق جميع الأطباء حديثى التخرج بالبرنامج التدريبى للزمالة.. وهكذا تضاعفت الأعداد المطلوب أن يتم تسكينها في أماكن التدريب من حوالى ألفين وخمسمائة طبيب سنويا إلى حوالى عشرة آلاف طبيب.. فكيف يمكن ونحن نضاعف الأعداد بهذا الشكل أن نستبعد من التدريب المستشفيات الجامعية وهى أكثر المستشفيات المميزة ملاءمةً لممارسة التدريب الجيد المطلوب، خاصة أن هناك تخصصات دقيقة لا توجد سوى في هذه المستشفيات؟!.

يُطلب من الطبيب الشاب في الزمالة أن يتخطى ثلاثة امتحانات للحصول على الزمالة، لكن الأطباء الشبان فوجئوا في مايو الماضى بأمر إدارى يفرض دفع رسوم قيمتها خمسة آلاف جنيه لدخول الدور الثانى أو الثالث لأى من الأجزاء الثلاثة، إذا لم يجتَز الامتحان من الدور الأول، رغم أن الطبيب يمر بالاختبارات وهو يقوم بعمله الذي يتضمن العمل في نوبتجيات طويلة قد تحول دون القدرة على اجتياز الاختبار.. أيضا تم فرض رسم قدره عشرة آلاف جنيه للسماح للمتدرب بدخول اختبار الدور الرابع، فكيف للطبيب الشاب الذي يتقاضى ثلاثة آلاف جنيه فقط أن يدفع كل هذه الرسوم؟!.

ما الذي يمكن أن نتوقعه من هذا الضغط على الأطباء الشبان وهذا الاستبعاد للمستشفيات التعليمية من التدريب بها، علما بأن الزمالة المصرية كانت شهادة إكلينيكية مصرية قوية ولها سمعتها الجيدة مما كان يدفع الأطباء العرب والأفارقة للالتحاق بها، بل كانت شهادة لها سمعتها العالمية؟.. فما الذي نتوقعه الآن وهناك من يتدرب لها في مستشفيات غير مؤهلة بالمرّة؟.. وما أثر كل هذه القرارات المتخبطة على مستوى الطبيب المصرى الذي نعده للمستقبل، بل ما أثر ذلك على سمعة مهنة الطب في مصر؟!.


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

فيروس كورونا: هل تستطيع تجنب لمس وجهك لتفادي الإصابة بالفيروس؟

11 مرضاً تسبب تغيّرات في الشخصية